يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ {2}
وهنا قاعدة أدبية ثانية نهت أصحابه أن يرفعوا صوتهم أو يعلو على صوته ,وقد ورد في جامع البيان لأحكام القرآن
24522 - عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت *الضحاك يقول في قوله: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}... الآية، هو
• كقوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63]
• نهاهم أن يرفعوا صوتهم ليعلوا على صوته مهابة واحتراماً له ولمجلسة ومواقفه .
• نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرفوه ويعظموه، ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة.
ومرد ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام شخص عام للناس كافة خاتم الرسل ينتهي اليه ذروة ونهاية التعليم السماوي الذي به حياة الناس لقوله تعالى ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52 ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( 53) )) ( من سورة الشورى ) وكذلك ينتهي اليه النموذج الأمثل للحكم والقضاء لقوله تعالى (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 48 ) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) )) ( سورة المائدة ) فإذاً هو معلم وقائد وقاضي وعليه فمن أنيط به مهمة الدعوة والتعليم فينبغي احترامه واحترام مجالسه ليستفيد كل من يحضره وليستوي الجميع في مجلسه وحتى تعظم الفائدة من هذا المجلس , وهنا يصبح واجباً توقير من تتلقى عنه أسمى العلوم وأشرفها .
كما أن رسول الله انيط به مهمة القيادة ومقتضيات القيادة الهيبة والاحترام والتبجيل حتى لا يسهل الخروج على القائد فتتفرق العصبة والأمة فمقتضيات الإمارة التي هي صنف من القيادة الاحترام والطاعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي " مُتَّفَق عَلَيْهِ , وقوله عليه السلام: « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم حبشى كأن رأسه زبيبة » ، فقد رواه أنس عن النبى وقال فيه: عبد حبشى، ذكره البخارى فى كتاب الأحكام.
ولذلك وصل أدبهم مع رسول الله في مواضع القيادة كما في تعيين موقع المسلمين في بدر حيث اختار لهم رسول الله موقعاً فأشارعليه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح بغير ذلك، وقال لرسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلك الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال عليه السلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القلب (والقليب هو حوض الماء الذي يتكون بفعل جريان الماء) ، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه، ونشرب ولا يشربون. فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي وفعله.
ولكن مثل هذا الرأي لا يحتج به على إطلاقه لأنه قبل نزول سورة الحجرات ولكن المصلحة العامة في أي موقف مشابه أن تقدم النصيحة وبالأدب الجَم مع رسول الله , وعن عطاء بن يزيد عن تميم الدارى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال (لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم) .
فأصحابه رضوان الله عليهم بعد هذه السورة تهيبوا التقديم بين يدي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وما يحتج به موقفهم منه يوم سألهم في حجة الوداع كما قال البخاري أيضا: بسنده عن أبى بكرة رضى الله عنه، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس هذا يوم النحر ؟ قلنا بلى ؟ قال: أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى.
قال: أي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس بالبلد الحرام ؟ قلنا: بلى.
قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم.
ألا هل بلغت ؟ قالوا: نعم.
قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ورواه البخاري ومسلم من طرق، عن محمد بن سيرين به.
.
وهذا الاحترام والتأدب مع الرسول والنبي الكريم ينسحب على مجالس الحكم والقضاء والتعليم التي كفلت التشريعات الحديثة إجراءات فرض هيبتها لما ينطوي على ذلك من المصلحة العامة ولما يترتب على ضدها من المفاسد العظيمة .
• فهذا يعني أن عليهم التزام الصمت أثناء لقاءاتهم به عليه الصلاة والسلام هيبة لمجلسه حتى يستطيع ان يراقب ويَسْمَع ما يقال ويُِسْمَع منه ما يقول حتى لا تلتبس أحاديثة على الرواة والسامعين نتيجة لغط الصوت واختلاطه ببعضه فصمتهم وإصغاؤهم مدعاةٌ لعموم النفع للأمة جمعاء .
• أمّا ما يتعلق بالجهر فهو لا يعني الصوت بقدر ما يعني نوع الكلام الذي يقال , فالرسول الكريم وكشأن الأنبياء والرسل لا يعرفون الهزل والمزاح ولا السخرية بل نهي عنها المؤمنين فما بالكم بالرسل الكرام , والذلك أجاب الله بحق سيدنا موسى عليه السلام عندما عرض عليه قومه مشكلة القتيل بين القريتين فقال لهم موسى عليه السلام (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا أتتخذنا هزوا؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين )فالمزاح والهزو ضرب من الجهل يترفع الأنبياء أن يقعوا فيه ,فنهوا عن المزاح معه ورفع الكلفة بل أمروا بالتأدب حتى في نوع كلامهم الذي يتكلمونه معه وهنا أورد بعض ما يوضح ذلك حتى تعم الفائدة
والقاعدة الثالثة في قوله تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ {3}))وفي هذه الاية بيان لمفهوم المخالفة فالأمر بالشيء نهي عن ضده كما أن فيها توافق مع الاية قبلها فمن لم يرفع صوته امام النبي فهو غاض لصوته والغض في الصوت الخفض والتنقيص منه بما يحقق المراد فمن غض من صوته بحيث لم يعد صوته وكلامه مفهوما ومسموعاً فهاذا ليس المراد من الغض , وفي الآية تعظيم أجر الذين يمتثلون هذا الأدب بنية الطاعة لله الذي تتحقق بطاعته المصلحة العامة فسرعة احترامهم واستجابتهم لهذا الأدب دليل على تقوى قلوبهم ونجاحهم في امتحان الله لهم وجزاؤهم مغفرة من الله و أجر عظيم , وهناعلينا أن نراعي كلمة عظيم أنها صادرة من الله العظيم سبحانه فإذا كان العظيم يقول عن هذا الأجر بأنه عظيم فغن فيه دلالة على أن عظمة هذا الأجريفوق تصورات البشر لأن العظيم في نظرهم وحساباتهم حقيرٌ في نظر الحق سبحانه .
ولكن المسألة التي يجب أن نراعيها هل رفع الصوت بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام منهي عنه على إطلاقه ؟ الجواب لا.فيما ورد يوم حنين حيث ذكر (عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَوَلّى الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فَلَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا مَعَهُ إلّا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ آخِذًا بِثَفَرِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَأْلُو مَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ . قَالَ فَأَتَيْته حَتّى أَخَذْت بِحَكَمَةِ بَغْلَتِهِ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ شَهْبَاءُ فَشَجَرْتهَا بِالْحَكَمَةِ . وَكُنْت رَجُلًا صَيّتًا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى مِنْ النّاسِ مَا رَأَى ; لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ قَالَ يَا عَبّاسُ اُصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ فَنَادَيْت : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ قَالَ فَأَقْبَلُوا كَأَنّهُمْ الْإِبِلُ إذَا حَنَتْ إلَى أَوْلَادِهَا ، يَقُولُونَ يَا لَبّيْكَ يَا لَبّيْكَ فَيَذْهَبُ الرّجُلُ [ ص 899 كما ورد في مغازي الواقدي ] مِنْهُمْ فَيُثْنِي بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيُقَدّمُهَا فِي عُنُقِهِ وَيَأْخُذُ تُرْسَهُ وَسَيْفَهُ ثُمّ يَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ فَيُخَلّي سَبِيلَهُ فِي النّاسِ وَيَؤُمّ الصّوْتَ حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا ثَابَ إلَيْهِ النّاسُ اجْتَمَعُوا . فَكَانَتْ الدّعْوَةُ أَوّلًا : يَا لَلْأَنْصَارِ ثُمّ قُصِرَتْ الدّعْوَةُ فَنَادَوْا : يَا لَلْخَزْرَجِ قَالَ وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ اللّقَاءِ صُدُقًا عِنْدَ الْحَرْبِ . قَالَ فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَالْمُتَطَاوَلِ فِي رَكَائِبِهِ فَنَظَرَ إلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ ثُمّ أَخَذَ بِيَدِهِ مِنْ الْحَصَى فَرَمَاهُمْ ثُمّ قَالَ انْهَزِمُوا . وَرَبّ الْكَعْبَةِ فَوَاَللّهِ مَا زِلْت أَرَى أَمْرَهُمْ مُدْبِرًا ، وَحَدّهُمْ كَلِيلًا حَتّى هَزَمَهُمْ اللّهُ وَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ .) وبن عباس عرف بعظم صوته حتى قالوا أن السباع كانت تفزع من صوته وقالوا أنه كان إذا أراد من عماله وهم يعملون في الغابة وهي منطقة في المدينه وهو في منطقة سلع وتبعد عنها عدة كيلومترات نادى على عماله فاسمعهم ما يريد منهم . فللمصلحة العامة وبطلب منه عليه الصلاة والسلام يجوز رفع الصوت بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام وورد رفع الصوت عندما خطب عليه الصلاة والسلام خطبة حجة الوداع أنه كان أناس حيث ينتهي صوت رسول الله يرفعون اصواتهم مكررين ما يقوله الرسول ليسمعوا به من وراءهم ممن لم يبلغهم الصوت لكثرتهم حيث بلغ من حج في حجة الوداع مائة وعشرين الف حاج .