( الكلام على الحكم الثاني الإدغام وأقسامه ووجهه وضوابطه )
الكلام على الحكم الثاني "الإدغام" وأقسامه ووجهه وضوابطه:
من معاني الإدغام في اللغة الإدخال: وفي الاصطلاح: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصير الحرفان حرفاً واحداً مشدداً يرتفع اللسان بهما ارتفاعة واحدة وهو بوزن حرفين.
وحروفه في هذا الباب ستة مجموعة في قول صاحب التحفة "يرملون" وهي الياء المثناة تحت والراء والميم واللام والواو والنون. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الستة بعد النون الساكنة بشرط أن تكون النون آخر الكلمة وأحد هذه الأحرف أول الثانية. أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب إدغمها وتسمى النون الساكنة والتنوين مدغماً بفتح الغين ويسمى أحد حروف (يرملون) مدغماً فيه. وينقسم هذا الإدغام إلى قسمين:
الأول: إدغام بغنة. الثاني: إدغام بغير غنة ولكل تفصيل نوضحه فيما يلي:
الإدغام بغنة: يختص هذا الإدغام بأربعة أحرف من حروف "يرملون" مجموعة في قول الكثير من أئمتنا في لفظ "ينمو" وهي الياء المثناة تحت والنون والميم والواو فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة بعد النون الساكنة بشرط انفصاله عنها كما تقدم أو بعد التنوين أو بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيهة بالتنوين وجب الإدغام ويسمى إدغاماً بغنة وإليك أمثلة الجميع مع هذه الأحرف:
فالياء: نحو {إِن يَقُولُونَ} {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ}. والنون: نحو {إِن نَّقُولُ}. {مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ}.
والميم: نحو {مِّن مَّآءٍ} {فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)}. وبعد نون التوكيد الخفيفة في قوله تعالى: {وَلَيَكُوناً مِّن ?لصَّاغِرِينَ (32)} ولا ثاني لها في التنزيل بالنسبة للإدغام. والواو: نحو {مِنَ ?للَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ (37)}. وسمي إدغاماً لإدغام النون والتنوين في حروف (ينمو) بشرطه المذكور آنفاً وسمي بغنة لمصاحبة الغنة له سواء أكانت للمدغم أم للمدغم فيه وسيأتي توضيح المدغم والمدغم فيه قريباً.
أما إذا اجتمعت النون الساكنة مع حرف من حروف ينمو في كلمة واحدة فيمتنع الإدغام ويجب الإظهار اتفاقاً ويسمى إظهاراً مطلقاً لأنه ليس من الإظهار الحلقي المتقدم ولا من الشفوي ولا من القمري الآتي ذكرهما بعد.
ولم يجتمع مع النون الساكنة من حروف ينمو في كلمة واحدة إلا الياء والواو فالياء في كلمتي {?لدُّنْيَا} {بُنْيَاناً} حيث جاءتا في التنزيل. والواو في كلمتي {قِنْوَانٌ} {صِنْوَانٌ}. وإنما وجب الإظهار هنا لئلا يشتبه بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله كصوان ورمان فلو أدغمت النون في الياء أو في الواو لقيل الديا وصوان فيلتبس الأمر بين ما أصله النون فأدغمت نونه وبين ما أصله التضعيف فلذا أظهرت النون خوف الالتباس. قال الإمام ابن بري في الدرر:
*وتُظْهَرُ النونُ لواو أوْيَا * في نحو قِنْوان ونحو الدُّنْيا*
*خِفةَ أنْ تُشْبهِ في ادِّغامه * ما أصلُهُ التَّضعيفُ لالتزَامِهِ اهـ*
الإدغام بغير غنة:ولهذا الإدغام الحرفان الباقيان من أحرف "يرملون" بعد إسقاط حروف ينمو المتقدمة وهما اللام والراء. فإذا وقع حرف منهما بعد النون الساكنة بشرط انفصاله عنها كما تقدم أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين كما هو معروف وجب إدغامهما ويسمى إدغاماً بغير غنة فتبدل النون الساكنة وكذلك التنوين لاماً عند اللام وراء الراء وتدغم اللام في اللام والراء في الراء إدغاماً تامًّا نحو {وَلَـ?كِن لاَّ يَشْعُرُونَ} {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. ويستثنى من ذلك لحفص عن عاصم إدغام النون في الراء من قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} بسبب سكته عليها بلا تنفس وذلك لأن السكت يمنع الإدغام كما يمنع ملاقاة النون بالراء. ولولا السكت لأدغمت على القاعدة.
ووجه الإدغام بغنة: التماثل بالنسبة للنون والتجانس في الجهر والاستفال والانفتاح بالنسبة للواو والياء. والتجانس في الغنة وفي سائر الصفات الخمس بالنسبة للميم هذا ما قاله بعضهم وفيه كلام سنأتي عليه في باب الإدغام إن شاء الله.
ووجه الإدغام بغير غننة: التقارب في المخرج على مذهب الجمهور والتجانس على مذهب الفراء وموافقيه إذ النون واللام والراء يخرجن من مخرج واحد على مذهبه كما تقدم. ووجه حذف الغنة هنا المبالغة في التخفيف لأن في بقائها بعض من الثقل وإنْ قرىء به في المتواتر كما سيأتي.
( تنبيهات هامة بخصوص الإدغام )
تنبيهات هامة:
الأول: يستثنى من الإدغام بالغنة إدغام النون الساكنة في الواو في قوله تعالى: {يس? (1) وَ?لْقُرْآنِ ?لْحَكِيمِ}. {ن? وَ?لْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} عند من أظهر النون فيهما ومنهم حفص عاصم خلافاً للقاعدة السابقة ووفاقاً للرواية كما أنه استثنى من قاعدة اجتماع المدغم فيه في كلمة واحدة النون مع الميم من هجاء "طَسَمَ" فاتحة الشعراء والقصص فأدغمها كل القراء إلا حمزة وأبا جعفر فأظهراها خلافاً للقاعدة ووفاقاً للرواية كذلك.
الثاني: اتفق أهل الأداء على أن الغنة الظاهرة في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء غنة المدغم وهو النون الساكنة والتنوين. وفي حالة إدغامها في النون غنة المدغم فيه وهو النون من ينمو. واختلفوا في حالة إدغامهما في الميم فذهب بعضهم إلى أنها غنة المدغم وذهب آخرون إلى أنها غنة المدغم فيه وهو الميم لا غنة النون وهذا هو الصحيح المعول عليه وبه قال الجمهور وذلك لأن النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما في الميم انقلبا إلى لفظها وهذا واضح بأدنى تأمل عند النطق بنحو {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} {مَثَلاً مَّا} والله أعلم.
الثالث: إدغام النون الساكنة والتنوين في حروف "يرملون" سواء أكان بغنة أم بدونها حسب التفصيل السابق نوعان: ناقص وكامل. فالناقص: هو إدغامها في الواو والياء وسمي بذلك لأنه غير مستكمل التشديد من أجل بقاء الغنة الموجودة في المدغم فهي منزلة حرف الإطباق الموجود مع الإدغام في نحو {بَسَطتَ} كما سيأتي.
والكامل: هو إدغامهما في اللام والراء وكذلك في النون والميم على الصحيح وجمعها علماء الضبط في حروف "نرمل" وسمي كاملاً لأنه مستكمل التشديد لانعدام المدغم ذاتاً وصفة. ففي إدغام نحو {مِّن رُّسُلِهِ}. {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} زال أثر المدغم بإبداله راء عند الراء وميماً عند الميم كما هو واضح من النطق بخلاف نحو {إِن يَقُولُونَ} {مِن وَالٍ (11)} فإن صفة المدغم لا تزال موجودة وهي الغنة. ومن ثم يؤخذ أن الغنة إذا كانت للمدغم فالإدغام ناقص وإذا كانت للمدغم فيه فالإدغام كامل وهذا مقتضى كلام الجعبري كما ذكر صاحب إتحاف البشر. وسيأتي بسط الكلام على الإدغام الكامل والناقص معاً في باب الإدغام وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإدغام هنا وحروفه وشرطه وقسميه بقوله رضي الله عنه فيها:
*والثَّان إدغامٌ بستَّةٍ اتتْ * في يرمَلُون عندهُمْ قد ثَبَتتْ*
*لكنَّها قِسمان قِسْمٌ يُدغَما * فيه بغُنَّةٍ بينْمُوا غُلِما*
*إلا أذا كانَا بكلمَةٍ فلا * تُدغمْ كدُنيا ثمَّ صِنوانٍ تَلا*
*والثان إدغامٌ بغير غُنِّة * في اللامِ والرَّا ثمَّ كرَّرَنِّهْ*