امرأة ذات صفات سبع ... هل من اعتبار؟

جاء في سياق سورة النمل موقف الملكة بلقيس (ملكة سبأ ) عندما ألقى ( هدهد سليمان ) كتابه إليها كأقصر خطاب في التاريخ الإنساني ونصه : ( ألا تعلو عليِّ وأتوني مسلمين ) .. ونعود إلى النص القرآني:

يُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29 إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [ ونتأمل موقف المرأة حيث يتضح منه جميل صفاتها ( صفات الملوك )

[color=darkblue]أولا: الإنصاف .. فقد وصفت كتاب نبي الله سليمان أنه ( كتاب كريم ) على الرغم من أنه ورد لها مما يمكن تسميته في عرف الناس ( خصم أو عدو) .. وإن كان في حقيقة الأمر لا يريد لها إلا الخير بإسلامها هي وقومها !!

ثانيا: الشورى .. فهي وإن كانت ملكة .. في بلد يتصف بحضارة عظيمة .. ولها من القوة والبأس .. إلا أنها تطلب المشورة وتستمع إليها وتقلب النظر فيها , وتتعهد بأنها لن تنفرد بقرار (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ )

ثالثا: الخبرة والمعرفة وحسن السياسة : فهي تعرف طبائع الملوك.. وقد شهد الله سبحانه على صحة قولها، كما جاء في تفسير ابن كثير عن اِبْن عَبَّاس : قَالَتْ بِلْقِيس" إِنَّ الْمُلُوك إِذَا دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة " قَالَ الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ " وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ .. تصديقا من الله لقولها !!

رابعا: معرفة الخصم قبل اتخاذ القرار : فهي لم تغتر بقوتها وجيشها وحضارة بلادها .. ولكنها انحازت إلى إعمال العقل والروية عند اتخاذ القرار .. ثم أرادت أن تختبر سليمان .. هل هو من الرجال الذين يُشترو بالمال أم لا؟ ومن ثم أرادات إغراءه وإغواءه بهدية ملكية تليق بها وبه .. ولكنه لم يكن من الرجال الذين يبيعون المبادئ والأوطان من أجل منفعة زائلة ولو كبُرت !

[ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) ]

ومن السياق السابق يتضح لنا صفات إضافية لهذه الملكة وكأننا أمام مشهد يبلور للناس الصفات الواجب توافرها فيمن يتولى أمر الناس

خامسا : عدم العجلة في الحكم .. فعندما سُئلت : أهكذا عرشك ؟ لم تجب بالنفي أو الإثبات وقالت Sad

كـأنه هو)؛ لتترك لنفسها فرصة للتأمل بلا عجلة ولا تسرع

سادسا : الانحياز إلى الحق .. فهذه المرأة لم تكن منغلقة التفكير ولم تصر على رأيها .. فهي وإن كانت على خطأ وضلال قبل أن تلتقي بسليمان إلا أنها فاءت إلى الحق فور معرفته بلا تلكؤ ولا إرجاء ولا إمهال

وقالت )رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )

سابعا : الرؤية الثاقبة .. فهي وإن كانت سليلة حضارة عريقة وصفها الله بقوله أنها ( آية ) كما ورد في سورة سبأ وصفا لهذه الحضارة من قول الله عز وجل: [ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ

وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)] .. وهي سليلة بيت مًُلك وربيبة القصور والحكم .. ومن ثم فهي لا تنبهر بما ينبهر به عوام الناس في القصور وبيوت الحكم , إلا أنها برؤيتها الثاقبة أيقنت أن ما رأته في صرح سليمان لم يكن من صنع البشر , ولا مُلك البشر , ولذلك توجهت إلى الله بتجرد وإخلاص أنه هو وحده الملك , وهو وحده واهب هذه النعم , وأنها هي وسليمان من عباد الله يتساويان في عبوديتهما لله وحده ( فقالت أسلمت مع سليمان – وليس لسليمان ) فجردت سليمان من فضل الملك ونسبته لله وحده .. في عقيدة صافية بلا التباس ولا غموض ولا تعقيد كبعض كتب العقيدة المعاصرة !

هكذا كان الدرس المستفاد من هذه المرأة .. ولعله يكون درسا لكل ولي أمر ( صغر أو كبر حجم ولايته أومسئوليته ), فكما جاء في صحيح البخاري من قول (‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏ عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏قال: ( ‏ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ).

عضو جديد المساهمات : 11 تاريخ التسجيل : 22/08/2008

بسم الله الرحمن الرحيم

كان نسيج القصة مرصعا ومحكم النظم,
لكن سيقت القصة برايي الى غير مبتغاها,ذلك ما اطفيته من صفات الحكم الراشد والمنظم للحاكم شخصيا وهي هنا تلك المراة .